رئيس التحرير: عادل صبري 05:48 مساءً | الأحد 06 يوليو 2025 م | 10 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

الدين والفيزياء.. أول التساؤلات الوجودية

الدين والفيزياء.. أول التساؤلات الوجودية
10 يناير 2017

الدين والفيزياء.. أول التساؤلات الوجودية

عبدالناصر توفيق

الدين والفيزياء.. أول التساؤلات الوجودية

 

نمى إلى علمي مؤخرا أن هناك جدلا عقيما يدور علي صفحات التوصل الاجتماعي. مجموعة من المراهقين العلميين تتهم مجموعة أخرى بالتخلف والرجعية لمجرد أنها تعلي الدين على ما عداه. والمجموعة الثانية ترى فى الأولى دلائلا على الإلحاد والهرطقة. بين هذه المجموعة وتلك يتم إقحام الدين والعلم بلا أي مبرر عقلي معتبر. لا هذه ولا تلك تتفهمان روح الدين الفهم الذي يبرر لهما أن تلوكه الألسنة. ولا هذه ولا تلك تحيطان بالعلوم الطبيعية الإحاطة التي تجعل منها محاميا بارعا يتصدي دفاعا عنه.  

 

لا يوجد علم يمكنه أن ينافس الدين أو بالأحري أن يتكامل معه سوى علم الفيزياء. مفهومي المنافسة أو التكامل سنوضحهما لاحقا. تستطيع أن تذكر ما شئت من تخصصات, ستجدها لا تغطي هذا الكم الشامل من المجالات كتلك التي يغطيها علم الفيزياء, ولا بذاك العمق الشامل الذي تفعله الفيزياء. لو أنك فى موقع يؤهلك لتنظر علي أي تخصص علمي من خلال رؤية بانورامية, ستجده فنا محليا موضعيا قاصرا على مجال أو عدة مجالات محددة, ولا يكاد يفارق كوكب الأرض أو الأحياء الذين يسكنوها.

 

فقط الفيزياء هي العلم الشامل الذي يصف ويتنبأ بجميع الظواهر الحسية فى عالمي الجماد و الأحياء وعلى حد سواء. أحد الميزات الأخري للفيزياء هي تلك الدقة الفائقة فى القياس والتي أحيانا تقذف بالهندسة وبالتكنولوجيا الى الحدود القصوي. على سبيل المثال لا يوجد قياس وصل الى تلك الدقة المتناهية التي أصبح يتم بها الكشف عن الموجات التثاقلية منذ 14 سبتمبر 2015.

 

البشرية منذ الأزل منشغلة بالتوصل لإجابات لثلاثة أسئلة رئيسية. هذه الأسئلة الوجودية يمكن تلخيصها فى الآتي: من أين جئنا؟ وكيف نحيا (سعداء)؟ وألما سيؤول مصيرنا (بعد إنقضاء الحياة)؟ إنها أسئلة عن الماضي, وحول الحاضر, و فيما يخص المستقبل.

 

سنقصر هذا المقال حول السؤال الأول. متي وكيف أنشأ الله الكون, وما هو أصل الحياة, وكيف خلق الله البشرية؟ كل الحضارات الإنسانية سواء تلك التي نعرف مثل الفرعونية أو تلك التي لازلنا نجهل بذلت الكثير من الجهد لتقديم إجابات عن هذا السؤال الكبير. أيضا الديانات السماوية لم تتخلف عن هذا المضمار.

 

بداية الخلق, وكيفية نشوء الكون, وماهية وأصل كل شيئ بداية من تطور الدين, الي حكايات الأقدمين, والي أصول الثقافات والعادات, كلها مجالات قد تتنافس فيها الفيزياء والدين. لكن الأمر فى حقيقته تكاملا وليس تنافسا. سنحاول أن نبين ذلك ليتضح لنا مدى تجني تلك المجموعة وأختها علي الدين وعلى العلم على حد سواء.

 

كما أشرنا أصبحت الفيزياء تقدم إجابات – فى أحيان كثيرة شافية - حول كل تلك الموضوعات. علي سبيل المثال شهدنا خلال المائة عام الأخيرة كيف فاقت التطورات الفيزيائية - وخاصة فيما يخص علمي الكون والفلك - كل تصور واتت فوق كل خيال. فبواسطة علم الفيزياء أصبحنا نعرف كيف نشأ الكون, وغدي لدينا تصورا مبدئيا حول ما بات يعرف بلحظة خلق الكون ذاتها, بغض النظر عما يلف هذه المعضلة العلمية من غموض وخاصة أنها لم تحظ بعد بالتوافق الشامل بين العلماء وبالبرهان الدامغ. وأيضا لدينا تفاصيل شاملة وشافية حول كيفية تطور هذا الكون الوليد. إذ لدينا من الملاحظات الكونية والفلكية ومن نتائج التجارب المعملية ما يجعلنا على يقين بتاريخ الكون منذ أن كان ذا عمر لا يتعدي بضعة مايكرونات من الثانية (جزء من مليون جزء من الثانية).     

 

بالطبع لا نعرف من خلال أي علم من العلوم, سواء الفيزياء أو الكيمياء أو غيرهما, كيف نشأت أبسط أشكال الحياة فى الكون وكيف دخلت أو نبتت فى المجموعة الشمسية. الأبسط من ذلك لا نعرف - بأي علم كان - كيف نشأت الخلية الحية. الأدهي من كل ذلك ليس لدينا دليل دامغ كيف حدث ذلك فى كوكب الأرض. ما قد نعرفه أو نستطيع أن نجادل به هو أن جزيئات الماء – والتي نعتقد انها شرط ضروري لنشوء الحياة – يمكن أن تتولد في عدد من التفاعلات الكيميائية المعروفة لنا جيدا. أيضا الكشف عن أدلة عن وجود الماء في كوكب آخر فى المجموعة الشمسية لا يعني أننا نستطيع أن نفسر أن حيوات نشأت أو ستنشأ بها منها. للحقيقة نذكر ان هناك تكهنات عن أليات نشرح كيف أن مركبات الأمونيا دخلت الى المجموعة الشمسية. عند هذا الحد تتوقف الفيزياء فى كل ما يخص الحياة.

 

لكن الدين هو الذي يشرح وبإسهاب كيف أن البشرية تنزلت على كوكب الأرض بعد حادثة طرد أدم من الجنة جراء غفلته عن تحذير الله له من الأكل من الشجرة المحرمة. فبغواية إبليس تناسي آدم تحذير الله له وتجرأ على المعصية. فحكم الله عليه بالنزول الى الأرض لكي يعمرها. قد نفهم من ذلك أن الأرض كانت جاهزة لإستقبلا آدم. جاهزة بمعني أنه كانت توجد بها ممالك نباتية, وحيوانية, وغلاف جوي, وماء, وغيرها. لكن ماهو أصل كل تلك الممالك وماذا عن نشأت أشكال الحيوات الأخري؟ لا يقدم لنا الدين تفسيرا شافيا. أما الفيزياء وكما أشرنا فهي بعيدة تماما عن هذا المضمار.

 

حصريا الذي يتناول الجوانب الروحية, والوجدانية للبشر والكثير من المخلوقات الأخري, ويسهب فى معالجتهما بسبل متعددة هو الدين. لا الفيزياء ولا حتى علم النفس تستطيعان منافسة الدين فى هذا المجال. فهي قد بقيت حتي اليوم حكرا على الدين, والذي منه ينفذ كهنة الدين الى حياة البشر ليدسوا أنوفهم فيما يعنيهم, وفيما لا يعنيهم. لا فرق هنا بين عالم وبين جاهل. الكل سيواجه يوما معضلات روحية ووجدانية. عندها ستجد أشد الكفار مجاهرة بالكفر يتضرعون الي الله طلبا للعفو والمغفرة. في مواقف حياتية عديدة تجد أعتي الملاحدة يتطلعون الي قوة الله القاهرة.   

 

من هذا العرض المبسط نستطيع أن نري في أي منطقة يتفوق الدين وفى أي منطقة تبرز الفيزياء. وايضا نستطيع أن نري أي إجابة فشل الدين فى اقتراحها وأيها لم تنجح فيها الفيزياء الحالية. بالطبع إن فشل الفيزياء الحالي لا يغلق المجال أمام تطورها فى المستقبل. إذ قد يفتح الله علينا فى المستقبل القريب أو البعيد وننجح فيما فشلنا فيه حاليا.

 

وهذا بالضبط ما يميز بين الفيزياء والدين. فالدين تنزل من قرون طويلة, ونحن نتوارثه عن أسلافنا, وعلى قدر إيماننا يكون مقدار محافظتنا عليه, إذ إنه فى نظرننا كمؤمنين به مقدس منزه. لكن الأمر جد مختلف بالنسبة الي الفيزياء وغيرها من العلوم. فهي لا تزدهر إلا بالشك فيما توصلت هي إليه, والطموح فى تطويرها وتعديلها لا حدود لهما. فأقصي أمانينا العلمية هي أن نستطيع تغير العلم ذاته, لا ان نحفظه كما جائنا من سابقينا. فى الحقيقة فإن أسلافنا سيفخرون بنا لو أنا قدرنا على تعديل ما توصلوا هم إليه.
 

أننا كمؤمنين بالدين لا يجب علينا أن نوهم أو ندلس على العوام بتصوير أن الكتب السماوية مجرد نشرات علميا جائت لتعلمنا بأسرار الفيزياء, أو بكنه الكيمياء, أو بمحدددات الجيولوجيا, أو بخصائص العلوم الإجتماعية, أو حتى بأساليب العلوم السياسية. الكتب السماوية تزخر بآيات تتناول الأخلاق, وأخري تفصل الأحكام, وثالثة لتردع على المحرمات, ورابعة للتساعد على الترقي الروحي والسمو الوجداني, وغيرها.

 

الإشارات الإعجازية تؤشر فقط الى أن مصدر الكتاب هو الله القادر العليم والخبير والأذلي وما إلي آخره من صفات القدسية لله سبحانه وتعالي. لتفهم هذه الجزئية خللونا نشرحها بالبلدي. على الطريق الزراعي بين أسيوط وسوهاج, الناس اللي من جيلي كانوا بيسموه الجسر الحربي, وقع حادث مروري على مشارف مدينة طهطا (أو طحطا كما ينطقها أهلها). الحادثة دي كان شافها واحد صنايعي وواحد مهندس. اتطلب من الإتنين انهم يكتبوا أو يحكوا علي اللي شافوه. الصنايعي قال كلام مختصر لا يحتوي إلا على التفاصيل التالية. فيه عربية كانت جاية من بحري (الشمال) وعربية تانية كانت جاية من قبلي (الجنوب). قبال النخلة اللي على جنب الطريق السواق اللي كان جاي من بحري حود علي الطريق بتاعة العربية التانية. والحادثة وقعت. أنا شفت الحبطة وشفت الناس وهي بتصرخ. بعد كده اتلمت ناس تانية وحاولنا نطلع الي جوه العربيات لحد ما الإسعاف جاتلنا بعد ساعتين.

 

هذا الوصف السطحي لا يدل إلا على ثقافة هذا الراوي. لكن شهادة المهندس حملت إشارات على اتجاهات الريح الشمالية والتي حسب رأيه زادت من سرعة السيارة الأتية من هذا الإتجاه ليندفع السائق قصرا ناحية الجنوب وأخرى عن هندسة الطريق التي بحسب رأيه أجبرت السائق الآتي من أسيوط على قطع المسارات المخصصة للسيارات فى الإتجاه المضاد. إذ أن إنحناء الطريق أمام مدينة طهطا باتجاه اليسار من وجهة نظر السائق الآت من الشمال وهذا ما أجبره على تقليل إنحناء مساره كي لا يندفع خارج الطريق ناحية اليمين نتيجة لتأثير القصور الذاتي وظهور سرعة الطرد المركزية.

 

فى كلا الروايتين يتحمل السائق القادم من أسيوط ذنب اصطدامه بالسيارة القادمة من سوهاج. لكن أحدي الروايتين كانت سطحية لا تدل إلا أن راويها غير المدرك لقوانين الحركة, ولا للخصائص الهندسية للطرق. هذه الصفات وتلك العلوم برزت بوضوح فى رواية المهندس.

 

ولله المثل الأعلي. ولأنه الله سبحانه وتعالي ضرب أمثلة وضمنها كتابه الكريم, أخذناها عذرا لنا في سرد قصة الحادثة التي وقعت على مشارف طهطا. ما أريد أن أبرزه هو أن الإشارات الإعجازية حقيقة مؤكدة, ويزخر القرآن بالكثير منها. وأستطيع أن أتلو عليكم الكثير منها. لكن المقصود منها ليس البرهان على مصدر القرآن ولا يجب أن يكون كذلك. وإن كانت فلمن - سامحكم الله؟

 

كلنا يعلم أن المؤمنين هم فقط من يعلمون علم اليقين بأن القرآن الكريم منزل من قبل الله سبحانه وتعالي. أما الملحدون فلا يؤمنون بالله أصلا فضلا عن انشغالهم بكتبه المنزلة. وعليه يمكنك أن تأخذ عني الآن أن الإنهماك بالإعجاز العلمي تنطع يقوم به من لا حيثية له, ولتصبر علي بني برهة إلي أن اشرح لك ما أقصد فى مقال آخر.

       

مرة أخري لنعود على بدأ, علي ما بين ثنائية العلم والدين وذاك الجدل العقيم الذي يجري بين جماعتين اتخذتا من ساحات التواصل الإجتماعي ساحة لمبارزة لا طائل منها. لا هذه تعي دوافع تلك, ولا ذاك يفهم عما تتحدث الأخر. والأدهي من كل ذلك أن كلاهما لا تعلمان علم اليقين ما تدافعان عنه أو تنقمان منه. فمن ناحية أمامنا مراهقون توهمهم أحلامهم انهم قد سبروا أغوار العلم, أما من الناحية الآخري فنحن أمام جماعة ممن يرجون من الله الجزاء الكبير لتطوعهم بالدفاع عن دينه. هل جائهم هذا التكليف الإلهي حصرا؟ لا وأيم الله!

 

بعد هذه المقدمة نأتي الى لب المعضلة. المشكلة تقع فوق أكتاف العلماء. إننا كعلماء يجب علينا أن نبين للكافة أنه بسبب ما لدينا من الفهم الجيد للعلم, ومن خلال معرفتنا الواسعة بأسرار الفيزياء - علي وجه التحديد - يجب أن نتصرف بقدر كبير من التواضع. يا قومنا كل يوم يمر نعلم أكثر وأكثر كيف يقر فى يقيننا أن ما نعرف من الفيزياء أقل القليل مما لا نعلم عنه شيئا.

 

كل الكون المرئي لا يمثل إلا أقل من 5% من مادة الكون. وبعد كل هذا تجد غرا هنا وصبيا هناك يتنطعان بما يعرفان عن الكون المرئي. مع العلم أن الكون المرئي ذاته لا يزال مليئا بالأسرار ولا تزال تقف بين فهمنا له معضلات وعقبات وعثرات جمة. الله رحمة منك! اللهم لا تبقي من هؤلاء أحدا!  

 

لا الفهم الجيد ولا الإدراك الكبير بأسرار الفيزياء يوجبان علينا التدليس على العوام أو علي غير المتخصصين. والتدليس مجال لا حدود له. قد يبرره أحدهم بأنه حفظا "للقمة العيش". وقد يري فيه آخر ألية "للبقاء فى الأضواء". وقد يمارسه ثالث "حملية لكيانه أمام فطاحل العلماء". أما طرق التدليس فهي أيضا متعددة. منها أنه قد يكون بحجب السياقات التي اتبعناها فى توصلنا لنتيجة علمية ما, علي فرض أن المتحدث شارك يوما فى عمل علمي ذي قيمة.

 

إذ لا يجب علينا كفيزيائيين أن نتبع ذات منهج علماء بني إسرائيل الذين درجوا على حجب بعض الكتاب عن العوام وترديد بعضه الآخر فقط. المعطيات والفرضيات والسياقات الي اعتمدناها يجب ذكرها وتذكرها والتذكير بها. هذه السلوكيات أصبحنا نرى عكسها فى تصرفات عدد من المراهقين العلميين وذلك فى حجبهم لتلك المحددات. فبتغيير تلك المعطيات, أو بتحسين الفرضيات, أو بتعديل السياقات قد تتغير النتائج التي توصلنا إلينا تغييرا جذريا.

 

لهذا لا ولن نفهم كيف أن فيزيائيا حتى ولو كان غرا يحبو أصبح يتخلق بهذا الكم الهائل من العنجهية, وغدت تصرفاته يلفها كم كبير من الخزعبلات. تلك التصرفات الساذجة تجعل من صاحبها يسير بالعلم علي هدى من الأساطير. وإنه وأيم الله طريق الضلال والهلاك.

 

بعد كل ذلك لنذكر فى هذا السياق أصل المنهج العلمي الذي نتبعه فى جميع أنشطتنا العلمية الحالية. هذا المنهج ابتكره الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت والذي عاش فى القرن الثامن عشر (1724-1804). بغض النظر عن تفاصيل منهجه الفلسفي يكفي أن نذكر بأنه منهج تحليلي, ولازلنا طوال القرون السابقة لا نتبع منهجا غيره.

 

علي سبيل المثال فلدراسة الشمس لا يجب علينا إحضارها لتتمدد أمامنا علي طاولة الإختبار كي نفهم كيفية عملنا أو ماهية كنهها. فبتحليلها الى عناصرها الأولية نستطيع ان نفهم فيزياء الشمس. وعليه أكاد أؤمن أن ما نعرفه عن حقيقة الشمس يعتمد كثيرا على هذا المنهج التحليلي. ولهذا فالسؤال البديهي هو عما قد يحدث لو انا اتبعنا منهجا غير المنهج التحليلي لإيمانويل كانت. الإجابة أوضح من الشمس فى كبد السماء, قد يتغيير كل شيئ أو على أقل تقدير سنعرف تفاصيلا جديدة, أو قد نلغي تفاصيلا كنا قد اقترحناها سابقا.

 

مثال آخر, لنأخذه من الميكانيك الكمومي كما تعرف فى المغرب العربي, أو مكانيكا الكم كما نعرفها هنا فى مصر. هذا العلم مثل تحديا كبيرا للثوابت الدينية لألبرت أينشتاين. وكلنا يتذكر مقولته الشهيرة عند علمه بنشر قاعدة عدم التحديد لهايزنبرج. هذا العالم الفذ لم يري في تدينه ما يجبره على تغييره أمام نتيجة علمية ما.

 

السبب هي أن الميكانيك الكمومي كما نعرفه حاليا مبني على ما يعرف بتفسيرات كوبنهاجن والتي أنجزت بين عامي 1925 و 1927. بناءا علي هذه التفسيرات توصلنا الي ما توصلنا إليه حتي تاريخه. ماذا لو أن تفسيرات أخري سيتم اقتراحها؟ بالتأكيد قد يكون فهمنا للنموذج الكمومية مختلفا عما نعرفه الآن. وأعتقد أن أينشتاين أدرك تلك الحقيقة, ولهذا وجدناه متحفظا أمام ما اقترحه هايزنبرج.

 

نشر أحدهم مؤخرا ما يروج له على أنه نظرة جديدة حول نظرية الإنفجار العظيم بناءا علي ما يسمي بالتصحيحات الكمومية. بغض النظر عن ردائة هذا العمل من الناحيتين الرياضية والفيزيائية, فإن الميكانيكا الكمية ستري حتما تعديلات قريبا. وأعرف العديد من المحاولات التي تبذل فى سبيل ذلك. وعليه فإن تطور فهمنا لميكانيكا الكم سيغيير حتما من تلك النتائج حول الإنفجار العظيم. لست بحاجة للتعليق أكثر علي سطحية وتفاهة ما قيل فى هذا المضمار.

 

أخيرا وليس آخرا أشدد على أن الفهم الحقيقي للفيزياء يجب أن يتكامل مع الإيمان بالدين والذي هو قائم بذاته. أنت – صديقي العزيز - لست مضطرا أن تسير على ذات الدرب الذي أسلك. يمكنك أن تسير بهدى او بغير هدى فوق أي طريق تريد. لكن هذه هي سبيلي. الفيزياء أراها علما يستحق أن أبذل في محرابه بقية عمري. وقد عانيت في سبيله ما عانيت, وليس أقلها غدر وخيانة أنصاف الرجال. على مدي سنين عدة بذلت هذا العلم واضيا لمن يستحق وعلي ذات المنوال لمن لا يستحق. وعايشت شبابا يتسمون بالخلق الحسن, وأخرون لا يملكون منه نصيب يذكر.

 

فهمي للفيزياء يمكن تلخيصه فيما شرحت آنفا. لهذا لا يحظى بتقديرى إلا الراسخين فيه. أما العيال – كما ورد على ألسنة الفقهاء – فلا مكان لهم عندي ولا يقربون. وأما الدين الذي أؤمن به فهو الإسلام, ذاك الدين الخاتم الذي به الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم. لا أري بين إسلامي وبين فيزيائي إلا كل تكامل ومنتهي التعاضد.

 

تخطيت بحمد الله مرحلة التصادم بين الفيزياء والإسلام منذ أمد بعيد. لإنجاز ذلك فهمت الدين حق الفهم, ولم اتوقف أمام جهل أو تجهيل أو فساد أو إفساد أية شخصية دينية فى أي عصر من العصور. لم أري فيهم إلا رجالا حاولوا جهدهم – ولهم بهذا التقدير الجم – ولكني قد أطالهم قامة ومقاما أو أزيد, وأني لست مقيدا بالسير على درب سلكوه. الإسلام الذي أدين ليس دين هذا أو ذاك من الرجال. ولا يعنيني من كلامهم إلا أجده والعقل سواء.

 

موهبة السفسطة لا يتمتع بها إلا من أدركوا مرحلة الخمسينات والستينات والسبعينات. خلال هذه المرحلة نمت فى مصر أجيال من المثقفين واسعي الإضطلاع. هذه الطبقة واجهت الإلحاد المتمثل فى الشيوعية, والتي كان ورائها حلف دولي هائل. هذه الطبقة رأت بوادر المد الوهابي على مصر وغيرها من الدول. فقط من عايش هذه الفترة والتي قد تكون امتدت الى الثمانينات يعرف عمن يتحدث. أنا أحد هؤلاء, واستطيع أن أبهرك سيدنا بما لا يمكنك أن تتوقعه إما دفاعا عن هذه الفكرة أو تلك. لكن لن اسمح بالاستنفار.

 

مرورا بمثل تلك المرحلة الخصبة أجدني اليوم أري فى الإسلام آليه تصلني بالله بدون وسائط. فلست بحاجة لمسجد لأصلي لله. لست بحاجة لكهنة كي أتضرع الي الله. ولست بحاجة فى فتوي رجل ممن نصبوا من أنفسهم كهانا فى معبد بنوه بأيديهم كي أتقي عذاب الله, أو لأفوز برضوانه. 

 

فى ظني ليس هناك صراع بين مطلق الدين والعلم الحقيقي. وكذلك فإن حقيقة أن الديانتين المسيحية والإسلامية شهدتا صراعات دموية بين رجالات الدين فيهما وبين العلماء علي مختلف العصور لا يجب أن تعمينا عن حقيقة أن هاتين الدينين فى أصولهما لا يحملا بذور الشقاق. وإلا ليشرح لنا قبحه الله لماذا غاب ذلك الصراع الدموي فى الديانة اليهودية؟ أليست اليهودية والمسيحية والإسلام ومضة برقت من ذات السراج المنير؟

 

من بدل المسيحية, وحرف اليهودية, أتي فى الإسلام ببدع ليست فيه. التبديل والتحريف وخلق البدع لا تأثير لها إذا لم يقف ورائها سلطان. ألسنا نفهم الحديث الشريف: "إن الله لَيَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن". فى المسيحية وفى الإسلام قامت الكثير من الدول والممالك والإمارات التي إدعت زورا وبهتانا انها من ترفع لواء الدين. لهذه الدول ولتلك الممالك ولكل الإمارات زبانية من رجالات الدين لا يرعوون عن تبديل وتحريف وسن البدع فى الدين بحسب أهواء من بيدهم السلطة.

 

الكهنوت اليهودي والذي علي مايبدو كان أكثر إستنارة من الكهنوت المسيحي, أو بالأحري لم تتح له الفرصة, أو لم يوضع فى إختبار معاقرة السلطة السياسية. السبب قد يكون أن الديانة اليهودية يبدو إيمانها بالدين قائم علي تمجيد الصفات البراغماتية مقابل غيرها من القيم الحياتية. أو لأن اليهودية لم يتم الإستعانة بها فى الحكم اللهم إلا في أثناء مملكة داوود عليه السلام وحاليا فى الدولة الإسرائيلية. ولهذا لم تكن هناك حاجة ملحة لتلويثها بالسياسة. أو لأن اليهود كانوا دائما شعبا منبوذا من بقية الشعوب, فتعلبت فيهم سلوكيات البقاء على غيرها من القيم.

 

طبعا ما نراه من ابتداع لطبقة من الكهنوت الإسلام يبدو شيئا مقرفا حقا. فهو ليس له مكان فى صميم الدين الحنيف. ولا حاجة لنا به. أليست حقيقة هي أن النبي الكريم قد أتانا بديانة تهدم كل الأصنام, وتفتح الطريق واسعا أمام العبد وربه. مانراه حتى اليوم يشرح كيف أننا قد صنعنا الكثير من الأصنام وبتنا نتعبد لها من دون الله. هذه الأصنام قد تكون دولة دينية او ما يسمي بالمؤسسات الدينية أو ما يقال عنهم علماء الدين لا هم لهم إلا الإستحواز على السلطات التي بين أيديهم. في سبيل ذلك يدهسون كل فكرة ترفع من قيمة العقل. او كل عالم يريد للناس أن تعود لصحيح الدين.

 

الراسخ هو أن الدين الإسلامي أكثر عملانية و أكثر براجماتية و أكثر صلاحية للحياة مما يصور لنا هؤلاء. فأنت لست بحاجة لقسيس أو لشيخ أو لكاهن لكي تتزوج. وعندما تصلي لست مضطرا للولوج الى مسجد منيف. وعندما يتغذر عليك ماء الوضوء يمكنك أن تتيمم. وعند الإضطرار يسمح لك الإسلام بأكل الميتة وحتى لحم الخنزير, وبشرب الخمر أيضا. ولا يمنعك من النطق بكلمات الكفر إن كانت حياتك أو حياة من تعول على المحك. علاقتك بالله تهدف إلي إعمار الأرض. لا يريد الله منك غير ذلك.

 

وعندما يقر الإيمان فى قلبك لن تشغل نفسك بفوائد الصلاة, ولا بحكمة الصوم, ولا بالعائد المرجو من الحج, ولا بما تدره عليك الزكاة. كل هذه أوامر أتتك من الله وانت بسبب إيمانك تقوم بها طواعية وحبا فيه سبحانه وتعالى.

 

هل هناك دين يتوافق مع نشاطك العلمي, و يدفعك على طريق إبداعاتك الفيزيائية غير هذا الدين العظيم؟ أنا لا أري غيره. وأحمد الله عليه! وأتمني لو ذاق الناس حلاوته!

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية